لأنَّ الحقيقة تعني أنَّها قد حصلت في الماضي، وتحدث في الحاضر، وستحدث في المستقبل؛ مكانها كل مكان، وزمانها كل زمان، وسائرة على كل إنسان.
لا تتعب ولا تتغيَّر، لا تمرض ولا تتعطَّل ولا تحتاج لصيانة، لا تستقيل ولا تتقاعد، لا تهرم ولا تموت حتَّى انتهاء مهمتها المُنظِّمة لحركة الحياة.
وجِدَت بمضمونها الثَّابت لتستقبل كل الأجيال بنفس العطاء؛ أمَّا الخيال، فإن التقى مع الواقع صار حقيقة، وإن لم يكن له مكان في الواقع، انحصر مكانه وزمانه وحدوده داخل الإنسان الذي تخيَّلَه؛ يُراوده فترة، ثمَّ يتلاشى، وإن بقي منه شيء، فيتغيّر مع مرور الزمن، كما تتغيَّر الرِّواية في الأُسطورة، أو يُهدم، كما تُهدم الخرافة أمام الحقيقة.
فقِصَص الخيال قد تبدو شيئاً جذاباً وممتعاً وعصرياً، لكنَّ المتعة والحداثة شيء، وأسباب السَّعادة التي يحتاجها الإنسان ويبحث عنها في كل مكان شيء آخر.
فشعور الإنسان بالسعادة ينشأ ويحيا ويستمر مع كل يوم يُصبِح فيه أفضل من أمسه، ويموت ويتلاشى مع كل يوم يُصبِح فيه أسوأ من أمسه.
فهل يمكن للإنسان أن يُصبِح أفضل من أمسه دون أن تنسجم حركة أسبابه مع ما هو قابل للتحقق في الواقع؟
فأيهما يحتاج الإنسان؟
فهم حقيقة زرع الورود وإيفاء أسبابها، أم تخيُّل تلك الورود مُتفتِّحة، جميلة، وملوُّنة؟