للجماد مُهِمَّة، تُنفَّذ دون خطأ، ودون الحاجة للتعلُّم.
للنبات مُهِمَّة، تُنفَّذ دون خطأ، ودون الحاجة للتعلُّم.
للحيوان مُهِمَّة، تُنفَّذ دون خطأ، ودون الحاجة للتعلُّم.
أمَّا الإنسان؛ فمُهِمَّته لا تُنفَّذ دون تعلُّم، ولا يتعلَّم دون أن يُخطئ.
فكيف يمكن للإنسان التَّعلُّم ليس فقط من أخطائه، بل أيضاً من أخطاء من سَبَقه؟
وكيف له التَّعلُّم ليس فقط من صوابه، بل أيضاً من صواب من سَبَقه؟
مَا عِلمُ القَصَص؟
العِلم: هو القُدرة على الرَّبط بين السَّبب ونتيجته الحقيقية.
والقَصَص: هو تعقُّب أسباب ما حدث، وتتبُّع نتائج ما يحدث.
وعِلمُ القَصَص: هو العِلم الذي يربط النتائج الظَّاهرة في حاضر الإنسان بالأسباب المُختبئة في ماضيه، والأسباب الظَّاهرة في حاضره بالنَّتائج المُختبئة في مستقبله؛ وَفقاً للقوانين الثَّابتة التي لا تتغيّر بتغيُّر الإنسان، أو المكان، أو الزمان.
لأنَّ المشكلة التي تواجه الإنسان اليوم جديدة عليه فقط، لكنَّها حصلت مع ملايين النَّاس قبله، وستحصل مع ملايين النَّاس بعده.
فالإنسان بحاجة دائمة لتعلُّم كيف استطاع غيره من النَّاس حل نفس المشكلة التي تواجهه هو الآن.
فعِلم القَصَص يشرح الحقيقة العِلميَّة الثَّابتة التي تربط السَّبب المُحدَّد بنتيجته المُحدَّدة؛ ليتفاعل معها الإنسان في إدراكاته الدَّاخلية، فتُجَنِبَه مرارة الدُّخول في تجربة ما سبق وجرَّبه ملايين النَّاس قبله.
حيث يُدرك في حاضره, مستقبل خياراته, بأضواء خبرات الماضي.
فتُصبح نهايات الطُّرق واضحة قبل الدُّخول بِها.
ويُصبح استدعاء النَّتائج المرغوبة بإيفاء أسبابها المطلوبة، واستبعاد النَّتائج المكروهة بإيقاف أسبابها المُختبئة أمراً أكثر وضوحاً للإِنسان.
فالحقائق الثَّابتة هي الخيوط التي ينسج منها عِلم القَصَص منهجه ليلبي به حاجة الإنسان بكل مكان وزمان؛ حيث يبحث في علاقة الإنسان مع نفسه، وأسرته، وعائلته، ومجتمعه، والعالم من حوله.
فعِلم القَصَص يمثِّل جامعة المجتمع للتعلُّم مدى الحياة.
حيث يلتقي جميع النَّاس في دائرة المشتركات، فتجمعهم وتوحدهم مهما اختلفت أماكنهم، وأزمنتهم، واهتماماتهم، واختصاصاتهم، وأحوالهم.